الأربعاء، 30 يونيو 2010

الراءُ أحْزَنُ الكائنات



الراءُ أحْزَنُ الكائناتِ


مكةُ المُحَرَّمَةُ
كافأهما الحبُّ لأنهما نقيان ، وعاقبتهما إرادة الأهل لأنهما صغيران ، أو لأنها نجمة وهو شمسٌ محاقية : قد يُصبـِحُ يومًا شمسًا كاملة فيستحقها وتختفي في ظلاله المشعة ، وقد تلازمه لعنة القمر الخفي فتغلب النبوءة ، ولأن المستقبل لا ينبني على قد أو ربما ؛ فليس من حقهما أن يَحْلـُمَا .. هكذا رأى مَنْ يَرَى ليَحْكـُمَ ، لكنهما لم يقبلا بانتظارٍ يقطعُ النورَ الواصلَ بينهما ، أخبرها بما عَلِمَ مما لم تكن تـَعلمْ ، فأخذتْ تبكي لساعةٍ تقريبًا على الجوال ، وهو يكتمُ صوتَ بكائِهِ الداخليِّ ليخففَ عنها ، بعد نفاد الرصيد غصبًا .. لم يستطع إلا أن يرسل لها رسالة : "والله إنك لأحبُّ بناتِ الله إلى قلبي ولولا أن أهلك أجلوني عنكِ ما ذَهَبْت" ، ظنها ابتسمَتْ ابتسامة امتصَّتْ بعضَ الأسى ، عَلِمَ منها بعد ذلك أنها احتضنـَتْ الجوال وسكبت دمعة امتنان .

تواصُل
قال لها : ماذا ستفعلين حين أموت ؟ قالت له : لا إله إلا الله ، إذا أردت أن تـُبكي حبيبتك ؛ فتحدث في هذا الموضوع مرة أخرى ، أما إذا أردت أن تعرفَ قدركَ عندها فهو أكبر مما تستطيعُ تَخَيُّلـَه ، قال لها : دموعُكِ أغلى من حَبَّاتِ عيوني ، لكنني أسألُ سؤالا واقعيًا بالفعل .. لا أستمطر به حنانـًا أتنفسُهُ في الهواء ، تقمصي هذه اللحظة دون أن تستغرقي في مشاعرها وخمني ما سوف تفعلينه ، قالت : إن قدر الله ولم أكن أنا الأولى فأمامي أحدُ احتمالين : أولهما أن يكونَ ارتباطنا قد أصبح رسميًا أمامَ الجميع ؛ وساعتها لن يلوم أحدٌ عَليَّ أن أصمت أو أتكلم أو أضحك أو أبكي ... سأترك مشاعري تقودني ، وهذه هي الحالة الأسهل ، وثاني الاحتمالين أن نكون لا نزال نحاول انتزاع حقنا الأصيل في إعلان هذا الحب ، ولم نحصل على اعتراف الناس بارتباط رسمي ، وساعتها سأحاول أن أخلو بنفسي لأطول فترة ممكنة ، ولن أجالسَ أحدًا كلما استطعت ذلك ، قال لها : لكي تبكي ؟ قالت له : لكي أتحدث معك .

شامتٌ برتبةِ حبيب
كانا يضحكان بمرارةٍ مسالمةٍ أو بسخريةٍ مشفقةٍ كلما تأملا محاولاتِ الناس لإفشال حبهما ، بين من يريد أن يقنعها أنها تستحق من هو أرقى منه علميا كطبيب مثلا ، ومن هو أثرى منه ماديا ، وبين من يغار منها فيفسد عليها سعادتها ، بتشويه احترافي أو ساذج ، كانت ترى - كما عَلـَّمَهَا - أن المنتج للأدب أفضل من المستهلك للعلم ، وأن الجامعات التي تخرج سنويا ما يزيد على خمسين ألف طبيب ومهندس وبيطري وصيدلي لا تخرج خمسة شعراء ، وأن فرصته في الغنى المادي متاحة ، كانت مجنونة به ، وكان يحترم جنونها احتراما يليق بعاقل ومجنونة ... لم يصمد المخرج العبقري كثيرا أمام ضغوط المنتج الذي يتعجله ... ربما صار الآن أثرى من ذي قبل ، ربما بدأت إرهاصات الحلم في التقاطر ، لكنها لم تصبح تلك المجنونة التي تستحق ذلك الاحترام السالف ، أصبحَتْ أعقل بكثير ، تـُشـْبـِهُ كل العاقلين المملين التقليديين ، أصبحت أهلا لضحكات غير مشفقة ولا مسالمة .

مرآةٌ مُجَاهِدَة
يسقط قلبُهُ في قدميه كلما نظرَ في المرآةِ ولمَحَ الشبهَ الذي بينه وبينها – والذي لا يلمحه الكثيرون ، شبَهٌ في الروح التي تنطبعُ على الملامح ، وشبَهٌ في الملامح يعطي الروحَ مجالـَها للإعلان عن نفسِهَا ، هذا الصخبُ البصريُّ الذي يغطي على محاولاته الناجحة للتخلص من عملاء الحب الذي كان ... قلبـِهِ القديم ِ الذي استبدَلَ به آخرَ أقـْدَرَ على أن يُمنـَحَ لسواها أو لها في زمان جديد وعمر جديد ، ربما بنفس القدرةِ يستطيعُ أن يسحبَ روحَه من ملامحه ؛ الروحُ متواطئة هي الأخرى ، ربما عليه أن يُطـَـوَّع الملامحَ لصورةٍ لا تـُشبهها ولا تشبهه ، ربما على سواها أن تكونَ أكثرَ شبهًا به لتـُوَفـِّرَ على المرآة كل هذا العناء .

عبوةٌ رائيةٌ
حرفُ الراءِ أحزنُ الكائناتِ ، لم ينتبهْ أحدٌ من العالـَمين إلى الطريقةِ اللذيذةِ المفعمةِ بالذكاءِ وخفةِ الروحِ التي ينطقـُهُ بها ، إلا حينما نـَبَّهَتـْهُ هيَ ، كانت تحبُّ أن تسمعَ منه كلماتٍ رائيةً كثيرةً ، لم يقتنعْ أبدًا أنه ينطق الراءَ بصورة مختلفة ، لكنه كان ممتنـًا لهذا الضعيفِ الذي يُسْعِدُهَا ، حرفُ الراءِ الحزين لم يفارقـْهُ رغم أنها فارقـَـتـْه .. حين نطقـَهُ على مسمع ٍ من طالبٍ مشاغبٍ كرَّرَ الطالبُ الكلمةَ مقلدًا الراءَ بصورةٍ ساخرةٍ مبالـَغٍ فيها ، اندفـَعَتْ في وجناتِهِ أمام طـُلابهِ كراتٌ ناريةٌ حمراءُ تـَعَجَّبَ لها الجميعُ فلم يَعْتـَدْهُ أحدٌ خجولا ولا منكسرا أمام هجوم ٍ أو سخريةٍ ، في الحقيقة لم يكن الأمر خَجَلًا على الإطلاق ، لكنها كانت دموعًا رائيةً حمراءَ لم تسمحْ لها العيونُ بالانفجار .

إسلام هجرس
الثالثة والنصف صباح 30/6/2010م

الأربعاء، 16 يونيو 2010

ليه كل حاجة حلوة ... !

*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
· هذا السؤال الساخط - وهو شطر من أغنية - لا نـَطرحُهُ عادةً إلا على سبيل ندبِ حالتنا السيئةِ ، وافتقادِنا لما نُحِبُّ ومن نُحِب ، حاولـْتُ أن أطرحَ هذا السؤال اليوم على نفسي ، وخالفـْتُ المنهج النـَّدْبـِيَّ محاولا استدعاء كلِّ الإجابات الممكنة ، والتي ينطبق أغلـَبُهَا على أغلبـِنـَا وقليلٌ منها على قليلٍ منا :
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
· ربما لأننا لا نستحقُّ أن يكونَ عُمْرُ (الحاجة الحلوة) أطولَ مِنْ ذلك ، ووصولـُها لهذا العمر كـَرَمٌ بالغٌ من القـَدَر ، أو فرصةٌ ضيعناها ، واختبارٌ رسبْنَا فيه بالتأكيد ، لأننا إذا نجحنا فطال عُمْرُ (الحاجة الحلوة) لم يكن من داع ٍ لطرح السؤال .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما لأن هذا العمر القصير (كيفما نرى) هو آخِرُ قدرةِ الدنيا على الإسعادِ ؛ فهي تـُسْعِدُ بحدٍّ ومقدار ، وتـُحزن بلا مقاديرَ ولا حدودٍ ، لينطبقَ اسمُها عليها كـ(ـدُنيا) ؛ مُتـْعَتـُهَا ناقصة مُنَغَّصَة ، فإذا حصلـْنـَا على المُتـَع الكاملةِ والسعاداتِ الخالصةِ : تـَـبـَـيَّنـْـنـَا الضِدَّ بضِدِّهِ ، وعرفنا أننا في مكان آخر اسمه (جَنَّة) .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما لأن الإنسانَ بطـَبْعِهِ كائنٌ يُقـَدِّسُ المُعاناة ويَأنـَس بآهاتِهِ ، وحساسيتـُهُ لوميض ِ دمعةٍ أكبرُ من حساسيتِهِ لشمس ٍ من الابتساماتِ ، حتى إننا - إذا اتبعنا الصيغة المطروقة في وصف الإنسان بأنه حيوان ناطق أو حيوان ذو تاريخ أو غيرها من هذه التسميات : - نستطيع أن نطلق على الإنسان حيوانًـا شَكَّاءً ندَّابًا ، فما سمعنا عن خروف يشتكي آلامه ولو بإيماءة مثلا .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما تـَشَاغُلٌ عن (حلاوةِ) الداخل بحلاوةِ الخارج ، رغم أن الخارجَ قشرةٌ وطلاءٌ ، بينما الداخلُ قيمةٌ حقيقيةٌ ومعدنٌ ، ومَنْ كانت جَنـَّتـُهُ في قلبـِهِ – مثلما أخبر عن نفسه الإمامُ ابن تيمية – استغنى عن جنةِ الخارج ، أو لم تـَكْسَرْهُ حاجتـُهُ إليها ، ومن كانت نارُهُ في قلبـِهِ ؛ فلن تـُغـْنِيَهُ كلُّ جناتِ الخارج .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما نحنُ آفة ُ الوقتِ الجميلِ ، والنقطةُ السوداءُ في الصفحةِ البيضاءِ ، نسبب الألمَ والتعاسة لأنفسنا وللآخرين .. أتـَعَجَّبُ جدًا ممنْ يعيشُ كضحيةٍ ، وهو أكبرُ الجناةِ بشهاداتِ جوارحِهِ وجدران ِ غرفتِهِ وهواءِ أنفاسِهِ ؛ فهو لا يكتفي بما جنتْ يداهُ ، وإنما يبادرُ بالشكوى من الزمن .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما لأننا سلبيون ، ننتظر الفرجَ ، ولا نحاول أن نصنعَ الأحداث ونـُغـَيِّرَ حياتـَنَا وحياةَ الناس مِن حولنا ، في الشر مفعولٌ بنا وفاعلون ، وفي الخير لا محل لنا من الإعراب .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما فينا من الأنانية ما يجعل (الحاجة الحلوة) لنا ليست حلوةً لسوانا ، فنـُصِرُّ عليها ونعادي من أجلها أهلـَنـَا أو أحبابَنـَا أو ذواتِنـَا العاقلةَ المنذرةَ إذا لزم الأمر ، فتعريفُ الحبيبِ في هذه اللحظةِ : هو من يُنـَفذ ما تريدُ فقط وإن كان في تنفيذِهِ قطـْعٌ للصلاتِ وإهانةٌ للكراماتِ ، وهنا لن نخسرَ (الحاجة الحلوة) فقط ، بل نخسر معها الأهل والأحباب .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما لأن شعورَ الضحيةِ هو الشعورُ البديلُ لاتـِّهَام الذاتِ بقصورها وتقصيرها ، وخلـْعِ صفةِ الفشل ِ عليها ، إحساسُنـَا أن الظروفَ - لعنها الله – هي السببُ في كُلِّ (حاجة وحشة) يُريحُ ضمائرَنـَا ، قناعتـُنَا الخادعة ُ التي تـُصَوِّرُ لنا أنَّ السعادةَ فاتَ أوانَهَا ، أو لم يأتِ حينـُها : بديلٌ لقناعةٍ أخرى بأننا عاجزون عن خـَلـْقِ واقعٍ جميل ٍ نـَنـْقـُشُ فيهِ سعادتـَنـَا على صخرةِ العُمْر .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما لعدم فهمِنـَا لإمكانياتِ اللحظةِ الخرافيةِ ؛ فاللحظةُ مادةٌ خام وعجينةٌ طـَيِّعةٌ لما نـَنـْوي صناعته ؛ نستطيع أن نَخلـُقَ منها العالم الذي نريده ، فإذا أردناه جميلا كان جميلا ، وإذا تركناه تـَلـَوَّنَ واصطبغ بما تَصْبغُهُ به الذاتُ المحطـَّمَةُ أو الحياة المعاندة ، لا دخلَ للظروفِ إذَنْ ؛ إلا بما يَخدمُ ما نريد إذا أردنا ، أو يَعُوقـُهُ إذا استسلمنا ، أو يُضِيعُهُ إذا كَسَلـْنـَا وتراخينا ، أو يُحَدِّدُ لنا مداه ؛ فنَقـْنـَعُ بطاقةِ المتاح ِ الضيقةِ ، أو نفتحُ فيها آفاقـًا شاسعة ً، كأن تـُعطي قلمًا ذهبيًّا مِن أفضل الماركات العالمية لجاهل ، وتعطي قلما رديئا لعبقري ، رداءة القلم لن تعطل العبقرية ، ونفاسته لن تقيل الجهل من عثرته .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما لأننا انتقائيون ، لا نتذكر من النحلة إلا لسعها ، لكننا ننسى عسلها ، ولا نتذكر من الليل إلا ظلمته ووحشته ، لكننا ننسى هدوءه وراحته .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما لعدم الدقة في تحديد مفهوم كلمة (حلوة) ؛ فهل (الحلاوة) حب مليء بالمشاعر الرائعة يحاربه الواقع بكل قدرته على الحرب ، فإذا انتهى أصبح الأمر مفاجأة تستدعي السؤال الأثير الذي نحاول إجابته ، أم هي معصية نستمتع بها من حيث نزيد رصيد ذنوبنا ، أم هي شباب ننتظر بعد انقضائه موتا وإن لم نمت ، ربما (الحلاوة) التي نبكي على انقضاء عمرها القصير ليست حلاوة أصلا .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما لعدم الدقة في تحديد مفهوم كلمة (عمرها) ؛ فالمستقبل المتوقع يبدأ عمره ببداية توقعه أو تمنيه ، والماضي الساكن في الذكرى لا ينتهي عمره ما دام حيا نابضا ، بل إن هناك ما هو أعمق من ذلك ؛ فالحاضر الذي لا نحياه كما ينبغي لا يعد من العمر ، مثل شاب يعيش بروح عجوز فهو عجوز حقا ولو ارتدى سمت الشباب ، أو غني يترك ملايينه في الحسابات والخزائن ويتسول فيستحق لقب (شحات) وإن كان مليونيرا بحسابات الورقة والقلم .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما لعدم الدقة في تحديد مفهوم كلمة (قصير) ؛ لأن أي عمر قصيرٌ بالنسبة والقياس ، وطويلٌ بالنسبة والقياس ، لو قسناه بمعيار الوجود والعدم ؛ فهو طويل جدا أطول من أي نقطة تساوي صفر ؛ فهي لا تحمل ما يحمل من مشاعر وألوان وأنفاس وأشخاص وأفراح وأحزان وتفاصيل وملامح دقيقة لا تدركها الرؤية المجردة ، ولو قسناه بمعيار انتهائه مهما طال فهو قصير شديد القصر ، تبعا لقاعدة كل آت قريب ، ونهاية أي بداية دنيوية آتية ؛ فهي إذن قريبة ، والشيء القريب يكون المدى بين أوله وآخره قصير بالضرورة ، وهنا نجد أننا أثبتنا الطول والقصر لأي عمر في سياق واحد ؛ إذن فمعيار الطول والقصر ليس ثابتا ولا معبرا .
· نضيف أيضا أن العلاقة عكسية بين الطول الزمني والسعادة أو المتعة ، وهي علاقة واقعية تبررها طبيعة الإنسان الطماعة المتبرمة ، التي لا تشبع من مغنم وإن كان عظيما ، ولا تحتمل مغرما وإن كان يسيرا ، ولو جربت مرة أن تكلف نفسك بمهمة عليك إنجازها في وقت من الأوقات العصيبة من حياتك ؛ فسوف تقع داخليا في تناقض شديد الغرابة ، الوقت سيتباطأ حتى كأنه واقف حين تتأمل ما أنت فيه من معاناة ، وسينقضي كأن لم يكن لو قست ما أنجزته مما كلفت به نفسك ، وكلا الشعورين سيكون في لحظة واحدة وفي رأس واحد .
· في الحقيقة العمر والوقت قانون عادل ، أما الإنسان فهو الذي يتصف بصفات تراوغ العدل إيجابا وسلبا : الإنسان هو الظالم أو المجامل ، وهو المُفـْرط أو المـُفـَرِّط ، وهو المتعجل أو اللامبالي ، الوقت رزين عاقل لا يعرف كل هذه الرماديات المتطرفة ، فهو أبيض مُنـْصِف أو أسود منصف .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما لعدم الدقة في تحديد مفهوم كلمة (كل) ، ولهذه الكلمة قليلة الحروف كبيرة المعنى علاقة حميمة بكلمتين هما : القناعة والشكر ، فلو كنا منصفين فسوف نستطيع أن نرى نعم الله الكثيرة جدا التي بأيدينا والجديرة بسعادة حقيقية ، ونستطيع أن نلغي كلمة كل من قاموسنا لنسنبدل بها (بعض) أو (القليل) ، ليس تخديرا لمشاعرنا المنهارة ، وإنما صدق في رفع الواقع ، بعد تدقيق للنظرة ، وعدم تعميم لتجربة وحيدة على حياة بأكملها ولشخص ما على كافة البشر ، وبالتأكيد لن نطرح هذا السؤال الاستنكاري الهلامي المائع مرة أخرى .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
ربما لأننا نقصر (الحاجة الحلوة) على كيفية وحيدة وصورة وحيدة ، أو نربطها بأشخاص وأماكن وظروف معينة ، إذا لم أصبح طبيبا فإن حياتي ستتدمر ، إذا لم أتزوج فلانة فإنني أتعس البشر ، علينا أن نكسر أصناما قدسناها ، وأن نتحرر من مبادئ باطلة جعلناها منهج حياة وهي وعكة عارضة لا تستأهل التوقف ، لا نعتبر ذلك إيثارا لأنفسنا ، وإنما إنقاذ لها خاصة إذا لم نكن جناة متسببين في صناعة الظروف المؤلمة أو ضياع الأحباب ، وإن كانت الدنيا قاسية علينا فعلينا أن نكون رحماء بأنفسنا دون عداوة مع الدنيا .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
لأننا نفهم الصبر بصورة خاطئة أحيانا ، ونراه قيمة وخـُلقا ، وننسى الصبر الحرام ، لنبتعد في وصف الحرمة عن الشرع ولنأخذ الحرمة بمجالها الدلالي الفسيح ، الصبر الذي يجعلنا غير منتجين ، مسالمين لذئب الظروف الفاتك ، مُسَلـِّمين له : صبر حرام ، العجيب أننا نرتكب خطيئة أكبر حين نجبر من حولنا على دفع ضريبة وجودهم في حياتنا بأن نشكو لهم ما نستطيع تداركه لو كنا أفهم وأوعى ، ونثقلهم بلعنات إحباطاتنا الهزيلة ، الأعجب من هذا وذاك أن من يصبر على واقع يستطيع تغييره : جزوع حين يَجْمُلُ الصبر أو يجب ، فهو سلبي راضٍ بحاله حين يطلب منه العمل والجد ، وهو عصبي أهوج حين يطلب منه الحِلم والأناة .
*
ليه كل حاجة حلوة عمرها قصير ؟
لا نقول ربما ولكن بكل تأكيد : لأن في إيماننا نقص ، هو الذي أوقعنا في قصور النظرة فلم نفهم الحلاوة أو العمر أو القصر أو الصبر ، ولم نسلك سلوكيات يمليها الإيمان ؛ فكنا سلبيين وأنانيين وانتقائيين ، وتورطنا في كل ما ينهي سعادتنا ، ولو اكتمل إيماننا فإننا سنسعد بالابتلاء الذي يقربنا إلى الله قبل سعادتنا بعطائه ، وسنرضى بما ومن يعترض طريقنا من ظروف وأشخاص ، فهم رسل الله إلينا ، نستخرج من أعماقهم أروع ما يصلح حياتنا ، فنشكر من أرسلهم إلينا ، ونتعظ بشوكتهم ونشكر من جعلها شوكة واحدة أقل عددا وفتكا ، إننا نستطيع أن نجيب على هذه الإشكالية إجابة شافية لو صَدَّرْنا لـ(المعيشة الضنك) التي لا نريدها (حلاوة الإيمان) التي نفتقدها ।

*

الأربعاء، 2 يونيو 2010

(وعلى الأعراف قلوب)





لا معنى لانبعاثة أمل ॥ فـَقـَأَتْ عيونَه حِرَابٌ لا تزال مسددة ...
وليس اللوم لِحَربةٍ جُبـِلَتْ على الفقءِ والطعن والخرق ؛
لكن اللوم ليدٍ كانت لا تقوى على غير تسديد الورد والقـُـبـَل الطيارة في النسيم ...
تستحق هذه اليد شرفَ العتاب والمساءلة ؛ لو أنها تـَبَيَّنـَتْ حقيقتها ؛ فعادتـْها وأعادتـْها ،
مستجيبة لقانون يخبرنا أنَّ الحياة ذهابٌ يُقنط الآمل ، وعودة تـُحيي اليائس ।

الأمل الذي فقدتُهُ يوما أو قتلتُهُ بيديّ قادر على العودة للحياة ،
ولكن عليه أن يحترم رغبة العيون في إشراقة صحيحة ،
وعليَّ أن أحترم رغبتـَهُ في أن يُلاقـَى ملاقاة الفوارس ...
لا أتحمس له ، ولا أعاديه ...
حماسي له تكرار محتمل لحسرةٍ أديتُ واجبها ،
وعدائي لهُ قتلٌ مسبق لفرحةٍ أدَّتْ واجبَ وداعها ।

لن أبكيَ على خسارةٍ خسرتُها وبكيتُ عليها مرة ...
لو أرادت أن تتحولَ غنيمةً فسوف تلمح بابيَ المفتوح ॥
الذي لا يناديها من شوق ॥
ولا يصدُّها من غضب ؛
وإنما طـَـبْعُهُ أن يتسامح ويتـَعَقـَّلَ مع أعداءٍ جدد ،
فكيف لا يكرم أحبابًا قـُـدَامَى !

ولو أرادت أن تلزم مكانها ،
فلنْ يَضرَّ الشاة َسلخُها بعدَ ذبحِها ।

إسلام هجرس
2/6/2010م


الأخبار