السبت، 13 مارس 2010

مع الطلاب (مواقف طريفة)

سلسلة "معهم"
الجزء الأول : "مع الطلاب"


لم نكن طلابا ملائكة حتى ننتظر من طلابنا أن يكون أقل شيطنة الآن وبعد عشرة أعوام من ألفية جديدة مفعمة بقفزات جيلية واسعة كثيفة ، وحين كنا نطلب من أساتذتنا وأهلينا أن يقتربوا من فلسفتنا ويتفاعلوا معها -إن لم يدينوا لها مجبرين أو مختارين- : لم نفترض أن الطلب ذاته سيطلبه منا آخرون في صيغة جبرية بحتة ، متعالية رغم عشوائيتها وضعفها الظاهري والحقيقي .

ولو اعتبرنا ما يقدمه لنا الجيل الحالي من (شقاوة) غير مسبوقة نوعا من أنواع الإبداع فإن الجيل الحالي مبدع بكل تأكيد ، إبداعا يقدم مادة جيدة للحكي والكتابة ، ويغري بالنقل –ليس على سبيل التسلية وحسب– وإنما أيضا على سبيل التعلم والاستفادة ، فهو علم ينفع والجهل به يضر أحيانا ، مهما اختلفنا حول أهمية مضمونه مقارنة بموضوعات أخرى أكثر سخونة وإلحاحا .

في صورة سلسلة غير دورية : سأقدم بمشيئة الرحمان مجموعة من المواقف التي تعرضت لها خلال عملي كمعلم بمدرسة ثانوية بالكويت ... معلم عمره اثنان وعشرون عاما .. أصغر من بعض طلابه سنا ؛ نظرا لظاهرة الرسوب المتكرر (للطلاب وليس المعلم) ، وأضعف من أغلب طلابه جسدا ؛ لأنها إمكانيات J، ولأن السن يفرض ذلك بالتأكيد، معلم يبدأ حياته المهنية وفي رأسه نظريات تربوية صدع الأساتذة بها الأمخاخ والعقول طوال فترة الكلية ، ليرى واقعا مختلفا تماما ، يتساوى في المسكنة أمام مفرداته العظماء من المعلمين علما وسنا وجسما وشخصية وعقلية، والضعفاء منهم في أيٍّ من هذه المقدرات التي يجب أن يمتلكها المعلم والطبيب البيطري على حد سواء .

لن يغيب بالتأكيد عن جو العرض مراعاة اختلاف طبيعة الطالب الكويتي أو الخليجي عن الطالب المصري ، اختلافا لا نقصد به الأفضلية أو ضدها ، بل نقصد به الاختلاف فقط ، ما تفرضه طبيعة البيئة والتربية والخلفيات ، هذه هي القاعدة العامة الوحيدة التي سنفترضها في البداية ، ثم نقول بعدها : إن كل موقف معبرٌ عن ذاته ، لن نريد به التعميم ولا الإساءة بأي صورة من صورها ، واللحظة التي نزعم فيها أننا شجعان وقادرون على توجيه النقد لمن نريد : هي ذاتها اللحظة التي نتحرى فيها الموضوعية والبعد عن الخطيئة المنهجية شديدة الشيوع : وهي التعميم دون اختبار العينات ، كأن يقول شخص : المصريون كذا أو الأمريكان كذا.

مع الطلاب ، مع الطالبات ، مع المعلمين ، مع الناس ، سلسلة تمزج بين صفة المذكرات وصفة المقال التأملي ، دون التحقيق الكامل لهذا المزيج في كل حرف من حروفها ، هي مساحة حرة للكتابة والتحاور مع سذاجة الواقع الداخلي والخارجي .. الشخصي والعام ،

باسمك اللهم نبدأ :

( * )

السن الصغير والمظهر الطفولي هو أول تحدٍّ مع الطلاب .
– مفردة التحدي مفردة حقيقية الدلالة ، فالطالب يفرض على المعلم جوا من الندية يتعالي عليها المعلم أحيانا ؛ لينزلق فيها من باب رد الكرامة أو الموقف التربوي ، ولو تناولها ببساطة؛ فلن يحملها أكبر من كونها المباشر،
وإننا لنجد بين الأخ الكبير والصغير صراعات ودودة وحامية ، وبين الآباء والأبناء صراعات مثلها ، وبين المعلم الأسطورة والطالب العصفور مثلهما ، فلا مانع من نشوبها بين المعلم الصغير والطالب العجوز-
المهم أن نظرة الطلاب الدائمة لي كطالب مثلهم كانت أزمة في الأيام القليلة الأولى ، تفاعلت معها فلم أجبر الطلاب على تعظيم وهمي ، ولا احترام زائد متكلف ، كنت أقنعهم أن الإنسان يحترم من هو أصغر منه سنا ومقاما انطلاقا من احترامه الشخصي لا احترام الآخرين، الأطرف من تحليل الظاهرة ورد فعلي هو بعض التعليقات والمواقف التي حدثت وتحدث يوميا حتى الآن وبعد فترة قليلة من التحاقي بهيئة التدريس J :

( الموقف الأول )

فتح طالب عليَّ الفصل مرة ، وقال لي : سؤال يا أستاذ .. ممكن؟ قلت له : تفضل ، قال : انت من أي روضة جاي ؟؟ قلت له : انت اللي ساقط عشان كدة حاسس انك عجوز وحاسس اني صغير ، وبعدين انا ممكن اقوللك انا من اي روضة جاي ، بس انت اللي هتزعل ، ايه رأيك اقول ولا بلاش ؟! (وغمزت بعيني) ، فقال لي : لا بلاش يا استاذ ، وخرج مرة أخرى من الفصل ..
طبعا لم يكن على بالي أي مكان ، لكني أعرف الأفكار السيئة التي قد تخطر على بال طالب مراهق من عينة الطلاب التي أدرس لها ، فكان التهديد المراوغ رادعا عن تكملة الحديث .

( الموقف الثاني )

سمعت طالبا ذات مرة يقول لزميله : هو ده استاذ ولا طالب ؟ قال له : استاذ ودخل لنا اليوم ، قال له : بس ده صغير قوي انا شاكك انه طالب ، فقال له : انت مش شايف لبسه ، لو طالب ايه اللي هيلبسه كده ؟!
أنقذني في هذا الموقف الفرق الواضح بين اللبس الملكي واللبس الميري J

( الموقف الثالث )

الضحك الدائم بمجرد دخولي الفصل ، ليس سخرية من شكلي والحمد لله J فالاهتمام بالمظهر والثقة بالنفس من أهم صفات المعلم الناجح ، ولكن لعلامات السن الواضحة ، خاصة أن أول سؤال يسأله الطلاب : كم عمرك يا أستاذ ، فأطرح أنا عليهم السؤال : كم تظنون ؟ البعض (يستظرف) ويقول : أربعة عشر عاما أو أقل ، لكن كل من حاول التوقع بجدية لم يعطني أقل من خمسة وعشرين ، بناء على اعتقاد أن المعلم لن يكون أقل من هذا السن ، تفكير مفيد لي جدا ، حيث كنت أكذب كذبة بيضاء وأقول لهم : أنا فعلا عمري خمسة وعشرين ، لنبتعد عن الكذب تماما وتصنيفه إلى أبيض وأسود : بالتأكيد عمر كل إنسان قد يكون خمسة وعشرين وحدة ليست هذه الوحدة بالضرورة سنة .. قد تكون (25 مضروبة في عشرة شهور مثلا) ، وهذا ما أنويه لأتحاشى الكذب .

على كل حال هي منطقة رائعة للضحك حتى مع المدرسين الزملاء الذين يعتبرونني ابنا لهم أو أخا أصغر ، شعور لن يدوم طويلا؛ لذلك لا مانع من الاستمتاع به حتى أستطيع التصالح مع الأيام المستقبلة التي سأتذكر فيها نفسي عندما كنت يافعا J .


(**)

(الموقف الرابع)


قال لي طالب : استاذ هسألك سؤال بس بلاش تهرب من الإجابة ، قلت له : أنا أهرب منك انته في إجابة سؤال؟!!! ، عموما اسأل ، فقال لي : مصري + فول = كام؟؟ فقلت له على الفور ودون تفكير : يساوي أحمد زويل .. مصطفى مشرفة .. عباس العقاد .. محمد الغزالي .. مجدي يعقوب .. يوسف القرضاوي .. متولي الشعراوي .. عايز كمان يا حبيبي ؟! فلم ينطق الولد ، فقلت له : قول لي انته بقى : كويتي + كبسة = كام ؟؟؟ فلم يستطع الولد أن ينطق ، ولكن لمحت في عينيه إعجاب شديد وازبهلال رغم أنه في موقف إفحام شديد ، فقلت له : كبسة ، اقعد بقى .
كما قلت في البداية لا أعمم هذه النظرة على الشعب الكويتي ففيهم الكثيرون يقدرون مصر وريادتها وشعبها بشكل واضح ومعلن ، هو مجرد موقف فردي .


( الموقف الخامس)

قال لي طالب : استاذ انا بروح مصر (وغمز بعينيه) طبعا في الفصل وأمام الطلاب ، فقلت له : تقصد شارع الهرم يعني ؟ فقال لي : تماااااااااام ، فقلت له فورا : الزبالة مش بتلم غير دبان ، فقال لي : يعني ايه ؟؟ فقلت له : يعني مصر فيها مكتبة الاسكندرية وقلعة محمد علي والازهر وحاجات كتيرة ، انت اخترت لنفسك المكان اللي يشبهك بمعنى الشبهة وبمعنى الشبه ، ومين قال ان الارض اللي فيها بيت الله مافيهاش دعارة ؟ ورغم ذلك فهي اطهر ارض ، واللي بيمارس فيها الدعارة بيدنس نفسه فقط مش بيدنس الارض الطاهرة ، فقال الولد : استاذ انا مبروحش شارع الهرم ولا حاجة بس حبيت استفزك واتمنظر قدام زمايلي ، قلت له : اديك خليت منظرك عرة ، حد يتمنظر بحاجة زي دي ؟!

هذه هي الحلقة الأولى من الجزء الأول : (مع الطلاب) من سلسلة (معهم) ...
أستكمل الأجزاء التالية تباعا بإذن الله تعالى

إسلام هجرس
13/3/2010 م

هناك 15 تعليقًا:

ابو محمد يقول...

والله يا اسلام مواقف خلتنى اموت من الضحك عليها من ردود فعلك على العيال الكويتة دول المعروف عنهم خفة الدم والظرافة والرخامة وربنا يقويك عليهم بس جدع فحمتهم صحيح بردودك دى وتحيا مصر والمصريين اهم اهم (ابراهيم ابو محمد)

مالك يقول...

إن مش عارف ايخ حكايتك مع الأطباء البيطريين .. علشان بيتعاملوا مع الحيوانات يعني.. إيه رأيك إن التعامل مع الحيوانات بيبقي أسهل في مواقف كتير

وعلى اعموم سسلة جميلة... وياريت تكملها..ولو كل أسبوع موقف أو اتنين.. لأن زي ما أنت إن العلم بيها ينفع وجهلها قد يضر..

لأنها مواقف للضحك والتعلم أيضا.. ودايما بتعلم منك الخروج من المواقف الحرجة.. لأنها مهارة فيك

غير معرف يقول...

السلام عليكم استاذ إسلام موضوع جميل و ردود قويه.
و انا طالب عندك و احترمك كثيرآ و الله يوفقك و يصبرك على الطلاب المشاغبين ,
و هذا مو بالكويت بس في كل مكان يا بو محمد
و هذا سن المراهقة و لابد من الشاب اضهار نفسه في اي شكل
و مشكورين.
اخوك: ناصر العازمي
مدرسة : الجري النموذجية

عبدالرحمن و سعد 11 / 1 يقول...

السلام عليكم ورحمت الله وبركاته

بشرني عنك يا أستاذ .....

نحن من طلابك يا استاذ اسلام هجرس ...
ونشكرك على المجهود الطيب على المواضيع الطريفه
وانت شاعر مجاز وربي يوفقك ويوفق المسلمين اجمعين
وانا عبدالرحمن لافي العازمي وسعد فالح العازمي من طلابك بالصف 11 / 1
وانت يا استاذ ماتقصر انشاء الله ويانا والله يعينك على الطلاب المشاغبين
واذا قريت الرساله عطني خبر بالفصل انك قريت رسالتنا
والسلام عليكم ورحمت الله وبركاته

عمر يقول...

جميلة المواقف ياسلم
بس واضح انك داخل حامي معاهم قوي
على فكرة عن تجربة شفتها في السعودية الطلبة بتتقبل المدرس الصغير القريب منها سنا وتحبه إن نزل لمستواهم
لا أقصد أن تتقبل الإهانة ولكن أن تحاول الاستيعاب ومشاركتهم أنشطتهم
أعانكم الله ويسر لكم وفتح قلوب الناس لكم
ولا تنس نية تعليم العلم مع كسب الرزق
ننتظر لقياكم قريبا

إسلام هجرس يقول...

أنقل هنا مجموعة من الردود على الموضوع على موقع الفيس بوك
ثم أرد عليها جميعا بإذن الله

إسلام هجرس يقول...

عبلة جابر
فلسطين
:

في انتظار بقية المواقف أمتعتني

إسلام هجرس يقول...

أحمد حراز
:

أنا شخصيا يااسلام اول واحد بستفيد من المواقف التربوية بتاعتك دى فى تعاملى مع الناس اولا ومع الطلبة او مع طلبة الدبلوم الخاص عندنا فى الكلية واللى بعانى معاهم لانه معظمهم غير تربويين فاجى اناقشهم فى نظريات تربوية او طرق تدريس بيحصل دايما مشكلة ودايما بظهر فى عنيهم انى انا باحث فاسد منحل بيدور على الجديد وبيكره الطرق القديمة لمجرد انها قديمة .. عموما انا مختلف معاك فى موضوع السن ده اللى قلته للولاد لانه ده نصر ليك انك تكون 22 او اقل ووصلت للمستوى ده

إسلام هجرس يقول...

د. عمرو الجزار :

ههههههههههههه الله عليك يا سلم يا مثبتهم بس خلى بالك

إسلام هجرس يقول...

الشاعر اليمني محمد الشلفي :

ههههههههه، متابع معاك

إسلام هجرس يقول...

د. مروة السيد :


جميله جدا
متابعه طبعا..
عجبتني اوي اننا لم نكن طلابا ملائكه حتي ننتظر منهم ذلك
:)
............. See More
(((اللحظة التي نزعم فيها أننا شجعان وقادرون على توجيه النقد لمن نريد : هي ذاتها اللحظة التي نتحرى فيها الموضوعية والبعد عن الخطيئة المنهجية شديدة الشيوع : وهي التعميم دون اختبار العينات ))))

اعجبني جدا هذا المبدأ وطريقه صياغته
صدقا بارك الله فيك
..
ده غير انه المواقف كلها ممتعه وسلسه وتشجع للمتابعه بل
وانتظارها
..
((شعور لن يدوم طويلا؛ لذلك لا مانع من الاستمتاع به حتى أستطيع التصالح مع الأيام المستقبلة التي سأتذكر فيها نفسي عندما كنت يافعا )))

وجهه نظر يغفل عنها الكثير
حيث ينغص علي نفسه حياته
في حين انه لو استمع بالوضع الحالي الصحيح واللي هيمر بس بمرور الوقت سيذكره في حاله من الفرح فيما بعد
...
جزاكم الله خيرا علي التاج
منتظرين البقيه

إسلام هجرس يقول...

د. ريهام
(حرنكش ريهام)
:


.. مصري + فول = كام؟؟ فقلت له على الفور ودون تفكير : يساوي أحمد زويل .. مصطفى مشرفة .. عباس العقاد .. محمد الغزالي .. مجدي يعقوب .. يوسف القرضاوي .. متولي الشعراوي .. عايز كمان يا حبيبي ؟! فلم ينطق الولد ، فقلت له : قول لي انته بقى : كويتي + كبسة = كام ؟؟؟ فلم يستطع الولد أن ينطق

لم ينطق من جهله بثمار بلده العربى الإسلامى
كان ممكن يقول طارق سويدان نبيل العوضى جاسم المطوع و كثيرون بس عذرا لجهلى أيضا .. و أحيى فى كلامك عدم التعميم
تمنياتى لك بالتوفيق و شكرا على السرد الممتع .. فى انتظار المزيد

إسلام هجرس يقول...

سمر الجيار :

ربنا يعينك علي مشاريع البلطجية الصغار هؤلاء..انا عارفة إنك هتسلك،ومش هتغلب معاهم

إسلام هجرس يقول...

أحمد شلتوت :


قدها وقدود يا أبو اسلام. ربنا يعينك ويطول مقامك ويصغر طلابك...علشان تقدر عليهم...

إسلام هجرس يقول...

محمد عبد العظيم شلتوت :


ربنا يعينك عليهم و تشرف مصر هناك

الأخبار